هل جال بخاطرك يوماً أن تمسك بساعتك ، وتوقفها
، إما بخلع الحجر منها ، أو بتحطيمها نهائياً لكي ما تأخذ ساعتك أجازة أو أن تأخذ
أنت منها أجازة خارج إطار الزمن .. !!
وهل يتوقف الزمن لمجرد أنك فعلت شيئاً سخيفاً
مثل ذلك ؟! ..
أم هل تراه أصلاً يحترم هذه الساعة أو تلك ؟!
بل وهل هناك من قوة يمكن أن توقف أقدم ساعة تحملها وسط ضلوعك ؟! .. دقات قلبك ؟!
دون أن تتوقف أنت شخصياً معها وتخرج من مدار الزمن والأيام إلى مدار آخر .. إلى
بحر الأبدية الذي لا قرار له ..
وكم من أساطير اخترعها القدماء .. تحكي عن
إكسير الحياة ، ذلك السائل العجيب الذي من يشربه لا يعرف الشيخوخة ، ويفقد التعامل
مع الزمن .. ويخرج من نطاقه ، ويفلت من سطوته .. وكم من اختراعات حديثة ونحن على
بعد الألف الثالثة من الميلاد ، نحاول بها ، ( تلصيم ) أو ( ترقيع ) .. هذا الكائن
المشرد ، الإنسان .. وأن نداري له الثقوب الضخمة التي فعلها الزمن في حياته ..
ونغلف هيكله العظمي ببعض المقويات لكي نطيل بها فترة إقامته المحدودة على ظهر هذا
الكوكب الذي ثقل بأوجاع نزلاؤه .. نعم ، ثقل لكنه لم يسقط إلى حفرته الأبدية بعد
..
وكم من المحاولات التي لا تتعدى أكثر من
مجرد تمرد على قانون الزمن الذي - بكبرياء شديد – لم يأبه
لها بل هو مستمر في خطه الذي لا يوقفه صراخ شاب على أبواب الموت ، ولا يخاف من عجلة
اختراعاتنا .. بل يتحدى من يفكر في الهروب منه دون أن يحتاج لأي مجهود للقبض عليه ،
.. !!
والغريب أنه حتى إيمان الإنسان أو عقيدته
– مهما صحت أو أخطأت – يمكن أن
توقف
هذا العداد الذي يعمل بقوة دفع ذاتية غريبة
..
لماذا تكره الزمن ؟!
هل لما يحمل به في أحشاؤه من مفاجئات قد تدمر ابتسامة اليوم
؟!
أم لأنك تراه وهو يأكل من على مائدة عمرك كل أطباق الصحة ،
والمال ،
والجمال ؟
هل لأنه عرف جيداً كيف يمكن أن يزيح الأحباء من حياتك هكذا
بلا مبالاة ، فدفعهم بعيداً عنك .. أو دفعك أنت بعيداً عنهم .. دون أن تجدي معه
التوسلات أو الدموع أي نفع ..!
هل لأنه يعرف كيف يطوي الأيام الحلوة كطفل وجد كتاب حياتنا
فأخذ يعبث بصفحاته ، دون أن نعرف على أي صفحة يفتح ومتى وعلى أي صفحة يمكنه أن
يقلب أم هل تراه ينام ويترك صفحة واحدة بين يديه –هكذا – لا تنقلب حتى يستيقظ من
نومه ؟!
هل لأنه صار يلهو بمعاييرنا التي افتتحنا بها هذا الدفتر
القديم ، وكتبناها كتعهدات على غلافه الخارجي ، وصرنا كداود الذي أفتتح حياته
ببطولة إنقاذ الشاة من فم الأسد والدب ، وختم فصول حياته بأنه لما رأي الشاة وحيدة
عند جاره .. أكلها .. !!!
هل لأنه يقودنا ويدفعنا نحو طريق الموت الموحش ، الكئيب
وكلنا وإن كنا نقاد في سيارته السوداء لتنفيذ الحكم نحاول أن نختلس النظر من قضبان
السيارة لأي شارع تعبر فيه السيارة ، لكي نري ما أسسناه ، ولكي نودع ما ضيعنا
أعمارنا فيه وننظر للداخل لمن معنا في حافلة الموت السائرة بثبات وكل يحاول ألاَّ
ينظر لوجه الآخر وكأنه يهرب من مقابلة الموت .! لكن هيهات !!
هل لأنه قال قبلاً لغيرنا ألاَّ يملأ يده من مخازنه الممتلئة
، أو أسرته المحبة ، أو أدويته
القوية ، ولما قال ، نفذ .. في أقل من مضي نصف
يوم .. في نفس الليلة التي بدأت بوعد للنفس ، انتهت بوعيد .. وكذب الوعد ، وصدق
الوعيد ..
يا الله !!!
هل نعادي الزمن ؟! ونحياه غضبى ومتمردين بكل
ما يذكرنا به وهل ننسحب منه بأن نخترع لأنفسنا شباباً له بصمة حادة .. وهل يحتاج
الزمن أن يرانا شباباً لكي يستأذننا في المضي قدماً أو التوقف بنا على المحطة
الأخيرة أو حتى أن يرسل لنا إنذاراً بذلك !!
هل نصالحه ونكسب رضاه بلبس ساعات ذهبية ،
وملازمة أجنده مواعيد ..! عله يرانا مهتمين به فيمهلنا قليلاً دون أن يفكر أن يأخذ
ضريبة مرتفعة قد تقضي علينا ونحن داخله .. فيلقينا في سجن الأبدية المؤبد
..
هل نحاول أن نحياه على الهامش دون أن نفعل
شيئاً قد يثير انتباهه لنا .. وإلى أي مدي يمكن له أن يتجاهلنا أو يعتبرنا غير
موجودين في قائمة أسراه ؟!!
ألن يعثر علينا غاضباً – بعد ذلك
– ويمسك بنا دون أن يرحم شيخوختنا أو ما قمنا به فيه من
صالحات ، ويستودعنا في مصحة أو مستشفي إعداداً لتسليمنا لحفرة في الأرض .. وللدود
الذي يسكن أجسادنا والذي ينتظر حتى يحين وقت التغذي علينا .. لكي يريحها من أي أثر
لجسد مريض أو متألم .. ومرتاح ، أو متجمل .. ولكي يكون كل المنفذ فيهم الحكم سواسية
أمام القضاء العالي .. دون التفرقة بين غني وفقير .. متعلم وجاهل ..
فما هو موقفنا تجاه الزمن كمؤمنين ؟!
..
إننا اليوم نستطيع أن نتعامل مع الزمن - ناموس
الله – بحكمة ، وليس بأي تحدي ..
لأن الهروب منه لم يجد نفعاً مع أي من حاول من
البشر أو من يحاول ، أو سيحاول أن
يوقف عجلته القوية الثابتة ..
ما الحاجة للخوف منه ونحن لنا أبو الأبدية ..
الذي يمسك مفاتيح الزمن بيديه ، يديرها للخلف أو يوقفها مكانها أو يسرع بخطاها
للأمام ؟! فالمهم أن " آجالنا في يده " ..
وما الحاجة للهروب من مطالبه ؟! إننا لسنا تحت
أي ناموس سوى " ناموس روح الحياة " الذي أنقذنا من ناموس آخر وهو ناموس
العبودية والموت .. وبما أننا مع المسيح والمسيح قد استطاع عبور بوابة القبر
وخرج من خلفها أو من أمامها منتصراً دون أن يقوى جدار القبر أن يمسك به أو أن يمنعه
من الخروج ، فنحن فيه " أي في المسيح " عبرنا نفس الحاجز وصار الموت –
بكل وحشته – ظلاً .. وصار رعبه بكل أهواله ممراً لعبورنا من هذه
البوابة الكئيبة .. ومنفذاً لخروجنا من هذا الزمن القاسي
الرهيب ..
هل يجب إذاً أن نقضي زماننا كيفما اتفق ؟! أو
إلى حيث تهدينا خطواتنا ؟!!
حاشا للرب أن يفعل أولاده هذا .. فنحن يجب أن
نسير زمان غربتنا بخوف .. ومعنى هذا أن كل لحظة منه يجب أن يتم التعامل معها
بمنتهى الحرص .. وأن نتعامل معه بأمانة ، لأنه المظروف الذي يحتوى على دفتر أيامنا
.. والإهمال في الإمساك به أو حتى العبث به ، سيخرج دفتر أيامنا منه أخيراً بشكل
غير مشرف ..
أخيراً ..
الله إله كل تعويض ..
الله يمكن أن يعوض لنا عن ما فقدناه بإهمالنا
أو بجهالتنا أو بعدم علمنا عما فقد في الأيام القادمة .. ليساعدنا أن نسير زمان هذه
الغربة بخوف وفي رضاه ..